تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
درس في الجمعة مع بلوغ المرام
6609 مشاهدة
فضل التبكير إلى صلاة الجمعة


وفي الحديث: أن من غسل واغتسل وبكر وابتكر -يعني: بكر إلى صلاة الجمعة، وابتكر؛ يعني: جاء مبكرا- ومشى ولم يركب، وصلى ما كتب له، وأنصت لخطبة الإمام غفر له ما بينه وبين الجمعة الآتية ؛ يعني غفرت سيئاته التي يفعلها بين الجمعتين. والمراد الصغائر؛ لأنه ورد في الحديث الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر وكذلك إذا تقدم احتسب الأجر الكبير.
تعرفون الحديث المشهور الذي في الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة إلى آخر الحديث. المراد بالساعة الأولى؛ يعني بعد هذا الوقت بساعة إلا ربع تبدأ الساعة الأولى يعني بالتوقيت الغروبي. إذا تمت الساعة الواحدة، الآن الساعة اثنا عشر وربع؛ فمعنى ذلك أن الذي يأتي مبكرا في الساعة الأولى كأنه أهدى بدنة، تقرب بها إلى الله تعالى كأضحية أو هدي، وهكذا من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة إلى آخر الحديث.
كل ذلك حث على التقدم؛ ليأتي بأسباب المغفرة، وليحرص على أن يتقرب إلى الله بما تيسر له من الأعمال الصالحة؛ لأنه إذا تقدم قد يشتغل بالنوافل، يصلي ولو صلى ساعة أو ساعتين نوافل، يسلم من كل ركعتين. ولو صلى عشرين ركعة، أو أربعين ركعة، ويتقرب بالقراءة. إذا كان يقرأ يشتغل بالقراءة كما كان الأولون.
ذكر أن بعض المشايخ أن عددا يتقدمون من أول النهار يوم الجمعة، يقرأ أحدهم قبل دخول الإمام عشرة أجزاء، وبعضهم عشرين حسب التقدم، في مجلس واحد يقرأ عشرين جزءا؛ دليل على أنهم كانوا يهتمون بالصلاة ويأتون إليها مبكرين. كذلك أيضا إذا لم يكن يقرأ أنصت إلى القراء، استمع إلى القارئ الفلاني؛ ليستفيد من قراءته، ومن حسن تدبره، أو ترتيله أو صوته. ينصت للقراء يعمل بقول الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا أو يشتغل بالذكر.
ولو أكثر من ذلك في حالة جلوسه يشتغل بالذكر، يعمل بالأحاديث التي وردت في فضائل الذكر؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأكثر مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه .
خير كثير يفوت على الذين يتأخرون، ولا يحضرون إلا إذا سمعوا الإقامة أو تحروا أن الإمام قد نزل؛ فإنهم يأتون مسرعين ويفوتهم هذا التقدم وهذا الخير الكثير، أو لا يأتون إلا إذا سمعوا النداء الثاني؛ فيفوتهم هذا التقدم، أو يتخيرون يوم الجمعة أو الخميس والجمعة فيخرجون للنزهة، ويتركون الصلاة صلاة الجمعة مع تمكنهم؛ يعني عندهم سيارات وعندهم حافلات، فيتركون الجمعة وهم يعرفون، بينهم وبينها مسيرة ساعة أو نحوها بالسيارة، ومع ذلك يتركونها كلها.
المندوب أن يتقدم المسلم إلى المسجد ويأتي مبكرا؛ حتى يكتب له أجر انتظار الصلاة، الذي ورد في الحديث: أن الملائكة تستغفر لأحدكم ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينصرف إلى أهله إلا الصلاة فنتواصى بالمواظبة على الصلاة عموما في الجماعة وخصوصا صلاة الجمعة لما ورد فيها من الفضل.